سورة يوسف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{إذ قالوا} يعني إخوة يوسف {ليوسف} اللام فيه لام القسم تقديره والله ليوسف {وأخوه} يعني بنيامين وهما من أم واحدة {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} إنما قالوا هذه المقالة حسداً منهم ليوسف وأخيه لما رأوا من ميل يعقوب إليه وكثرة شفقته عليه والعصبة الجماعة وكانوا عشرة، قال الفراء: العصبة هي العشرة فما زاد وقيل هي ما بين الواحد إلى العشرة وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقال مجاهد: هي ما بين العشرة إلى خمسة عشر وقيل إلى الأربعين وقيل الأصل فيه أن كل جماعة يتعصب بعضهم ببعض يسمون عصبة والعصبة لا واحد لها من لفظها كالرهط والنفر {إن أبانا لفي ضلال مبين} يعني لفي خطأ بين في إيثاره حب يوسف علينا مع صغره لا نفع فيه ونحن عصبة ننفعه ونقوم بمصالحه من أمر دنياه وإصلاح أمر مواشيه وليس المراد من ذكر هذا الضلال الضلال عن الدين إذ لو أرادوا ذلك لكفروا به ولكن أرادوا به الخطأ في أمر الدنيا وما يصلحها يقول نحن أنفع له من يوسف فهو مخطئ في صرف محبته إليه لأنا أكبر منه سناً وأشد قوة وأكثر منفعة وغاب عنهم المقصود الأعظم وهو أن يعقوب عليه الصلاة والسلام ما فضل يوسف وأخاه على سائر الإخوة إلا في المحبة المحضة ومحبة القلب ليس في وسع البشر دفعها ويحتمل أن يعقوب إنما خص يوسف بمزيد المحبة والشفقة لأن أمه ماتت وهو صغير ولأنه رأى فيه من آيات الرشد والنجابة ما لم يره في سائر إخوته فإن قلت الذي فعله إخوة يوسف بيوسف هو محض الحسد والحسد من أمهات الكبائر وكذلك نسبة أبيهم إلى الضلالة هو محض العقوق وهو من الكبائر أيضاً وكل ذلك قادح في عصمة الأنبياء فما الجواب عنه.
قلت: هذه الأفعال إنما صدرت من إخوة يوسف قبل ثبوت النبوة لهم والمعتبر في عصمة الأنبياء هو وقت حصول النبوة لا قبلها، وقيل: كانوا وقت هذه الأفعال مراهقين غير بالغين ولا تكليف عليهم قبل البلوغ فعلى هذا لم تكن هذه الأفعال قادحة في عصمة الأنبياء.
قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} لما قوي الحسد وبلغ النهاية قال إخوة يوسف فيما بينهم لا بد من تبعيد يوسف عن أبيه وذلك لا يحصل إلا بأحد طريقين إما القتل مرة واحدة أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه بأبيه بأن تفترسه الأسد والسباع أو يموت في تلك الأرض البعيدة ثم ذكروا العلة في ذلك وهي قوله يخل لكم وجه أبيكم والمعنى أنه قد شغله حب يوسف عنكم فإذا فعلتم ذلك بيوسف أقبل يعقوب بوجهه عليكم وصرف محبته إليكم {وتكونوا من بعده} يعني من بعد قتل يوسف أو إبعاده عن أبيه {قوماً صالحين} يعني: تائبين فتوبوا إلى الله يعف عنكم فتكونوا قوماً صالحين وذلك أنهم لما علموا أن الذي عزموا عليه من الذنوب والكبائر قالوا نتوب إلى الله من هذا الفعل ونكون من الصالحين في المستقبل، قوال مقاتل: معناه يصلح لكم أمركم فيما بينكم وبين أبيكم فإن قلت كيف يليق أن تصدر هذه الأفعال منهم وهم أنبياء. قلت: الجواب ما تقدم أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت حتى تكون هذه الأفعال قادحة في عصمة الأنبياء وإنما أقدموا على هذه الأفعال قبل النبوة وقيل إن الذي أشار بقتل يوسف كان أجنبياً شاوروه في ذلك فأشار عليهم بقتله.


{قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} يعني قال قائل من إخوة يوسف وهو يهوذا، وقال قتادة: هو روبيل وهو ابن خالته وكان أكبرهم سناً وأحسنهم رأياً فيه فنهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة والأصح أن قائل هذه المقالة هو يهوذا لأنه كان أقربهم إليه سناً {وألقوه في غيابت الجب} يعني ألقوه في أسفل الجب وظلمته والغيابة كل موضع ستر شيئاً وغيبه عن النظر والجب البئر الكبيرة غير مطوية سمي بذلك لأنه جب أي قطع ولم يطو وأفاد ذكر القيامة مع ذكر الجب أن المشير أشار بطرحه في موضع من الجب مظلم لا يراه أحد واختلفوا في مكان ذلك الجب، فقال قتادة: هو بئر ببيت المقدس، وقال وهب: هو في أرض الأردن وقال مقاتل هو في أرض الأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب وإنما عينوا ذلك الجب للعلة التي ذكروها وهي قولهم {يلتقطه بعض السيارة} وذلك أن هذا الجب كان معروفاً يرد عليه كثير من المسافرين، والالتقاط أخذ الشيء من الطريق أو من حيث لا يحتسب، ومنه اللقطة بعض السيارة يعني يأخذه بعض المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى فتستريحون منه {إن كنتم فاعلين} فيه إشارة إلى ترك الفعل فكأنه قال لا تفعلوا شيئاً من ذلك وإن عزمتم على هذا الفعل فافعلوا هذا القدر إن كنتم فاعلين ذلك.
قال البغوي: كانوا يومئذ بالغين ولم يكونوا أنبياء إلا بعده وقيل لم يكونوا بالغين وليس بصحيح بدليل أنهم قالوا وتكونوا من بعده قوماً صالحين وقالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين والصغير لا ذنب له. قال محمد بن إسحاق: اشتمل فعلهم هذا على جرائم كثيرة من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له والغدر بالأمانة وترك العهد والكذب مع أبيهم وعفا الله عن ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله تعالى وقال بعض أهل العلم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ولو فعلوا ذلك لهلكوا جميعاً وكل ذلك كان قبل أن نبأهم الله فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف وبين والده بضرب من الحيل {قالوا} يعني: قال إخوة يوسف ليعقوب {يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف} بدؤوا بالإنكار عليه في ترك إرسال يوسف معهم كأنهم قالوا: أتخافنا إذا أرسلته معنا {وإنا له لناصحون} المراد بالنصح هنا القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف والمعنى وإنا لعاطفون عليه قائمون بمصلحته وبحفظه، وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير وذلك أنهم قالوا لأبيهم أرسله معنا فقال يعقوب إني ليحزنني أن تذهبوا به فحينئذ قالوا: مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ثم قالوا.


{أرسله معنا غداً} يعني إلى الصحراء {يرتع} الرتع هو الاتساع في الملاذ يقال رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته والأصل في الرتع أكل البهائم في الخصب زمن الربيع ويستعار للأنسان إذا أريد به الأكل الكثير {ويلعب} اللعب معروفة وقال الراغب: يقال لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً سئل أبو عمرو بن العلاء كيف قالوا نلعب وهم الأنبياء فقال كم يكونوا يومئذ أنبياء ويحتمل أن يكون المراد باللعب هنا الإقدام على المباحات لأجل إنشراح الصدر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه «هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك» وأيضاً فإن لعبهم كان الاستباق وهو غرض صحيح مباح لما فيه من المحاربة والإقدام على الأقران الحرب بدليل قوله نستبق وإنما سموه لعباً لأنه في صورة اللعب وقيل في معنى نرتع ونلعب نتنعم ونأكل ونلهو وننشط {وإنا له لحافظون} يعني نجتهد في حفظه غاية الاجتهاد حتى نرده إليك سالماً {قال} يعني قال لهم يعقوب عليه الصلاة والسلام {إني ليحزنني أن تذهبوا به} أي: ذهابكم به والحزن هنا ألم القلب بفراق المحبوب ومعنى الآية أنه لما طلبوا منه أن يرسل معهم يوسف عليه الصلاة والسلام اعتذر يعقوب عليه الصلاة والسلام بعذرين أحدهما أن ذهابهم به ومفارقته إياهم يحزنه لأنه كان لا يقدر أن يصبر عنه ساعة والثاني قوله: {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} يعني إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم وذلك أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان رأى في المنام أن ذئباً شد على يوسف عليه الصلاة والسلام فكان يعقوب يخاف عليه من ذلك وقيل كانت الذئاب في أرضهم كثيرة {قالوا} يعني قال إخوة يوسف مجيبين ليعقوب {لئن أكله الذئب ونحن عصبة} أي جماعة عشرة رجال {إنا إذاً لخاسرون} يعني عجزة ضعفاء وقيل إنهم خافوا أن يدعو عليهم يعقوب بالخسار والبوار وقيل معناه إنا إذا لم نقدر على حفظ أخينا فكيف نقدر على حفظ مواشينا فنحن إذاً خاسرون.
قوله عز وجل: {فلما ذهبوا به} فيه إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلما ذهبوا به {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} يعني وعزموا على أن يلقوه في غيابة الجب.
ذكر قصة ذهابهم بيوسف عليه الصلاة والسلام:
قال وهب، وغيره من أهل السير والإخبار: إن إخوة يوسف قالوا له أما تشتاق أن تخرج معنا إلى مواشينا فنصيد ونستبق قال بلى قالوا له أنسأل أباك أن يرسلك معنا، قال يوسف: افعلوا فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا إلى مواشينا فقال يعقوب: ما تقول يا بني؟ قال: نعم يا أبت إني أرى من إخوتي اللين واللطف فأحب أن تأذن لي، وكان يعقوب يكره مفارقته ويحب مرضاته فأذن له وأرسله معهم فلما خرجوا به من عند يعقوب جعلوا يحملونه على رقابهم ويعقوب ينظر إليه فلما بعدوا عنه وصاروا إلى الصحراء وألقوه على الأرض وأظهروا له ما في أنفسهم من العداوة وأغلظوا له القول وجعلوا يضربونه فجعل كلما جاء إلى واحد منهم واستغاث به ضربه فلما فطن لما عزموا عليه من قتله جعل ينادي يا أبتاه يا يعقوب لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك وجعل يبكي بكاء شديداً فأخذه روبيل وجلد به الأرض ثم جثم على صدره وأراد قتله، فقال له يوسف: مهلاً يا أخي لا تقتلني، فقال له: يا ابن راحيل أنت صاحب الأحلام قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ولوى عنقه، فاستغاث يوسف بيهوذا وقال له اتق الله فيّ وحلّ بيني وبين من يريد قتلي فأدركته رحمة الإخوة ورق له فقال يهوذا يا إخوتي ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أهون لكم وأرفق به فقالوا وما هو قال تلقونه في هذا الجبّ إما أن يموت أو يلتقطه بعض السيارة فانطلقوا به إلى بئر هناك على غير الطريق واسع الأسفل ضيق الرأس فجعلوا يدلونه في البئر فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي لأستتر به في الجب فقالوا ادع الشمس والقمر والكواكب تخلصك وتؤنسك فقال إني لم أر شيئاً فألقوه فيها ثم قال لهم يا إخوتاه أتدعوني فيها فريداً وحيداً وقيل جعلوه في دلو ثم أرسلوه فيها، فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة كانت في البئر فقام عليها وقيل نزل عليه ملك فحل يديه وأخرج له صخرة من البئر فأجلسه عليها، وقيل إنهم لما ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنها رحمة أدركته فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه فمنعهم يهوذا من ذلك وقيل إن يعقوب لما بعثه مع إخوته أخرج له قميص إبراهيم الذي كساه الله إياه من الجنة حين ألقي في النار فجعله يعقوب في قصبة فضة وجعلها في عنق يوسف فألبسه الملك إياه حين ألقي في الجب فأضاء له الجب.
وقال الحسن: لما ألقي يوسف في الجب عذب ماؤه فكان يكفيه عن الطعام والشراب ودخل عليه جبريل فأنس به فلما أمسى نهض جبريل ليذهب فقال له إنك إذا خرجت استوحشت فقال له إذا رهبت شيئاً فقل يا صريخ المستصرخين ويا غوث المستغيثين ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها يوسف حفته الملائكة واستأنس في الجب، وقال محمد بن مسلم الطائفي: لما ألقي يوسف في الجب قال: يا شاهداً غير غائب ويا قريباً غير بعيد ويا غالباً غير مغلوب اجعل لي فرجاً مما أنا فيه فما بات فيه واختلفوا في قدر عمر يوسف يوم ألقي في الجب فقال الضحاك ست سنين وقال الحسن: اثنتا عشرة سنة، وقال ابن السائب: سبع عشرة سنة، وقيل: ثمان عشرة سنة، وقيل: مكث في الجب ثلاثة أيام وكان إخوته يرعون حوله وكان يهوذا يأتيه بالطعام فذلك قوله تعالى: {وأوحينا إليهم لتنبئنهم بأمرهم هذا} يعني لتخبرن إخوتك قال أكثر المفسرين: إن الله أوحى إليه وحياً حقيقة فبعث إليه جبريل يؤنسه ويبشره بالخروج ويخبره أنه سينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه هذا قول طائفة عظيمة من المحققين ثم القائلون بهذا القول اختلفوا هل كان بالغاً في ذلك الوقت أو كان صبياً صغيراً فقال بعضهم إنه كان بالغاً وكان عمره خمس عشرة سن وقال آخرون بل كان صغيراً إلا أن الله عز وجل أكمل عقله ورشده وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة كما قال في حق عيسى عليه الصلاة والسلام.
فإن قلت كيف جعله نبياً في ذلك الوقت ولم يكن أحد يبلغه رسالة ربه لأن فائدة النبوة والرسالة تبليغها إلى من أرسل إليه.
قلت: لا يمتنع أن الله يشرفه بالوحي ويكرمه بالنبوة والرسالة في ذلك الوقت، وفائدة ذلك تطييب قلبه وإزالة الهمّ والغمّ والوحشة عنه ثم بعد ذلك يأمره بتبليغ الرسالة في وقتها وقيل إن المراد من قوله وأوحينا إليه وحي إلهام كما في قوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل وأوحينا إلى أم موسى والقول الأول وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} يعني بإيحائنا إليك وأنت في البئر بأنك ستخبرهم بصنيعهم هذا، والفائدة في إخفاء ذلك الوحي أنهم إذا عرفوه فربما ازداد حسدهم له. وقيل: إن الله تعالى أوحى إلى يوسف لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا بعد هذا اليوم وهم لا يشعرون بأنك أنت يوسف والمقصود من ذلك تقوية قلب يوسف عليه الصلاة والسلام وأنه سيخلص مما هو فيه من المحنة ويصير مستولياً عليهم ويصيرون تحت أمره وقهره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8